“متحدون، نسمع بشكل أفضل”.. جهود دؤوبة لتخفيف معاناة الأطفال الصم وضعاف السمع

الصحة
21 فبراير 2025
“متحدون، نسمع بشكل أفضل”.. جهود دؤوبة لتخفيف معاناة الأطفال الصم وضعاف السمع
رابط مختصر
الرباط – بروح تضامنية وإنسانية قوية، تواصل مؤسسة للا أسماء للصم وضعاف السمع جهودها الدؤوبة من أجل تخفيف معاناة الأطفال الذين يعانون من فقدان أو ضعف في هذه الحاسة، لاسيما من خلال برنامج “متحدون، نسمع بشكل أفضل” الذي يرفع هذه السنة في مرحلته الثالثة من سقف الإنجازات ويركز على الجانب التكويني كعنصر لا محيد عنه في محاربة الصمم لدى الأطفال.

وتأتي العملية الثالثة من هذا البرنامج، التي ترأست صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء، حفل إطلاقها اليوم الخميس بالرباط، لتأكيد روح التعاون جنوب- جنوب التي تقوم عليها هذه المبادرة الرامية إلى إعادة السمع لمائة طفل ينتمون فضلا عن المغرب إلى 17 بلدا بإفريقيا والشرق الأوسط، والذين يلتئمون في المملكة للاستفادة من عمليات لزرع القوقعة الإلكترونية.

فبكل من الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، شرعت الأطقم الطبية المختصة بالمراكز الاستشفائية الجامعية وبالمستشفى العسكري الدراسي محمد الخامس بالرباط، في إجراء سلسلة من عمليات زرع القوقعة لأطفال مغاربة وآخرين قدموا إلى المغرب رفقة أسرهم، لاسيما من فلسطين، أملا في استعادة سمعهم، حتى يتمكنوا من عيش حياة طبيعية شأنهم شأن الأطفال الآخرين.

** برنامج إنساني يقوم على روح التضامن جنوب-جنوب**

في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عبرت دعاء الخاروف التي قدمت من مدينة نابلس بفلسطين رفقة طفلها كريم للاستفادة من عملية لزرع قوقعة الأذن بالمستشفى العسكري الدراسي محمد الخامس بالرباط، عن مشاعر امتنانها وعرفانها الكبيرين لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء والطاقم الطبي الذي أشرف على إجراء هذه العملية لإبنها الذي يعاني من نقص حاد في السمع.

وتقول دعاء في هذا الصدد: “قدمت للمغرب من أجل علاج نقص السمع الشديد الذي كان يعاني منه ابني منذ ولادته. العملية كُللت بالنجاح بفضل جهود سمو الأميرة وجميع أفراد الطاقم الطبي الذي خصنا بعناية وحرص لا مثيل لهما”.

وتؤكد حنين التي قدمت بدورها من رام الله رفقة ابنها عبد المجيد، في تصريح مماثل، أن فلذة كبدها كان بحاجة ماسة لإجراء هذه العملية باهظة الثمن وبالغة التعقيد، مشيرة إلى أن مبتغاها وأملها هو استعادة طفلها لسمعه حتى يتسنى له عيش حياة طبيعية كباقي الأطفال.

أما إليزابيث التي جاءت من ولاية كنتاكي الأمريكية رفقة حفيدتها الكينية بالتبني “وينتر”، فقد أعربت عن عميق سعادتها بهذه الفرصة التي أتيحت لحفيدتها حتى تتمكن من اللعب والتواصل مع الأطفال الآخرين، وأيضا مع مدرسيها وزملائها في المدرسة، قائلة “إن الأمر يتعلق بنافذة فُتحت دفَتاها أمام وينتر لاكتشاف العالم المحيط بها، وتواجدي هنا نابع من رغبتي الشديدة في جعل حياتها أفضل”.

وفي تصريح آخر، يؤكد الطبيب العميد فؤاد بنعريبة، رئيس قطب جراحة الرأس والعنق بالمستشفى العسكري الدراسي محمد الخامس بالرباط، أنه تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تنخرط مصلحة الصحة العسكرية في برنامج “متحدون، نسمع بشكل أفضل”، الذي يضمن التكفل بالأطفال الذين يعانون من النقص الحاد في السمع حتى يتمكنوا من زراعة القوقعة الصناعية.

وأشار إلى أنه بعد تجربة أولى شملت 11 بلدا من منطقة غرب إفريقيا، تكتسي الأيام الجراحية المنظمة بالمستشفى العسكري الدراسي محمد الخامس في إطار البرنامج الذي تشرف عليه مؤسسة للا أسماء، هذه السنة، ميزة خاصة تتمثل في توسيع نطاقها لتشمل بلدانا من شرق إفريقيا والشرق الأوسط، لاسيما فلسطين ولبنان وسوريا.

وبحسب البروفيسور بنعريبة، فقد استفاد من عمليات زرع القوقعة الاصطناعية بالمستشفى 16 طفلا، منهم 7 كينيين، و4 فلسطينيين، و3 لبنانيين، وطفلان سوري وآخر إيفواري.

وأضاف الطبيب العميد أنه، لأول مرة بالمغرب، يتم إجراء عملية لزرع القوقعة لطفل يقل عمره عن سنة، في الوقت الذي تشير فيه جميع التوجيهات المعتمدة عالميا في هذا المضمار إلى أن هذه العملية يمكن أن تُجرى ابتداء من عمر سنة إلى خمس سنوات، قائلا إن “الجراحة التي استفاد منها الطفل القادم من فلسطين كانت صعبة بعض الشيء لأنه كان يعاني من تشوه في قوقعة الأذن، لكننا تحققنا من نجاح العملية بعد القيام بالفحوص والإشعاعات اللازمة”.

وبؤكد البروفيسور بنعريبة، أن هذه المبادرة النبيلة كفيلة بانتشال الطفل الأصم تماما من عالم الصمت، والسماح له بتطوير ملكات النطق والاندماج في الوسط المدرسي، ومن ثم وضع حد لهذه الإعاقة الحسية التي تشكل عبئا حقيقيا على الأسر والمجتمع بشكل عام.

** حضور قوي للجانب المتعلق بالتكوين ونقل الخبرات **

إلى جانب إجراء عمليات زرع القوقعة، تم إيلاء أهمية خاصة للشق المتعلق بالتكوين ونقل الخبرات، من خلال إجراء دورات تدريبية يستفيد منها عدد من الأطباء الأخصائيين في جراحة الأنف والأذن والحنجرة ومقومي النطق بعدد من البلدان الشقيقة والصديقة.

وفي هذا السياق، يقول عبد العزيز الراجي، رئيس قسم الأذن والأنف والحنجرة بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش، إن عمليات زرع القوقعة تُجرى موازاة مع تنظيم دورات تكوينية لفائدة عدد من الأطباء الأخصائيين ومقومي النطق، الذين قدموا خصوصا من البلدان الإفريقية.

وتابع قائلا “هناك تكوين خاص لمقومي النطق لأن هدفنا ليس فقط القيام بالعمليات الجراحية للأطفال ولكن أيضا تكوين الأطباء ومقومي النطق، حتى نُمكن هؤلاء المختصين الذين نظل معهم في اتصال من منح العناية والمتابعة اللازمتين لهؤلاء الأطفال ببلدانهم الأم”.

من جهته، أوضح إبراهيم لكحل، عميد كلية الطب والصيدلة بالرباط، أن هذه الدورات التكوينية فريدة من نوعها بالنظر إلى أنها تشمل حصة تطبيقية تُجرى لأول مرة على عينات بشرية حقيقية للعظمة الصدغية، والتي تم توفيرها عن طريق هيئة دولية معتمدة.

وأكد أن الدورة التدريبية التي احتضنتها كلية الطب والصيدلة بالرباط تأتي استكمالا لسلسلة من الدورات حول جراحة القوقعة قصد علاج فقدان السمع، والمنظمة من طرف مؤسسة للا أسماء.

وتابع أن هذه الدورة التكوينية هي فرصة ثمينة لجراحين مختصين في الأنف والأذن والحنجرة ومقومي النطق من عدة دول، لاسيما من غرب وشرق إفريقيا، وفلسطين لبنان وسوريا، للحصول على تأهيل متقدم في مجال معالجة الصمم.

وأوضح قائلا “إنها خطوة هامة لنقل خبرات الأطباء والمختصين المغاربة إلى العاملين في مجال الصحة من الدول الشقيقة والصديقة، وتجسد بذلك مثالا حيا على مساهمة المملكة المغربية في تطوير القطاع الصحي بدول الجنوب، وفقا للرؤية السديدة التي أرسى معالمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تشجع على التضامن والتعاون بين دول الجنوب”.

وفي سياق متصل، أوضح كيتا عبدواللاي، رئيس مصلحة الأنف والأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي “دونكا” بكوناكري، أن “هذا التكوين يكتسي أهمية كبرى من حيث نقل الخبرات في مجال زرع قوقعة الأذن إلى بلداننا، وذلك من خلال تكوين الطواقم المختصة في هذه العمليات، أي الجراحون ومقومو النطق والممرضون المسؤولون عن مصاحبة الأسر”.

وأضاف أن الأطفال الذين سيستفيدون من هذه الجراحة “سيلقون الرعاية اللازمة من طرف طواقمنا التي تتقدم نحو كسب المزيد من الاستقلالية، في أفق شروعنا بعد عام أو عامين في إجراء العمليات بأنفسنا وتتبع الأطفال المستفيدين على النحو الأمثل”.

والواضح أن برنامج “متحدون، نسمع بشكل أفضل” يسير، سنة تلو الأخرى، نحو تعزيز إنجازاته وتوسيع قاعدة الأطفال المستفيدين بالمغرب والكثير من البلدان الشقيقة والصديقة، سعيا إلى التخفيف من معاناة الأطفال الصم ومنحهم الأمل في اكتشاف العالم عن طريق حاسة السمع.